فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (75- 76):

قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)}

.مناسبة الآيات لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ختم سبحانه بذلك تأكيدًا لإبطال مذهب عبدة الأصنام بسلب العلم الذي هو مناط السداد عنهم، حسن أن يصل به قوله- إقامة للدليل على علمه بأن أمثاله لا يتطرق إليها الطعن، ولا يتوجه نحوها الشكوك-: {ضرب الله} أي الذي له كمال العلم وتمام القدرة {مثلًا} بالأحرار والعبيد له ولما عبدتموه معه؛ ثم أبدل من مثلًا: {عبدًا} ولما كان العبد يطلق على الحر بالنسبة إلى الله تعالى، قال تعالى: {مملوكًا} لا مكاتبًا ولا فيه شائبة للحرية {ولا يقدر على شيء} بإذن سيده ولا غيره، وهذا مثل شركائهم، ثم عطف على {عبدًا} قوله: {ومن رزقناه منا} من الأحرار {رزقًا حسنًا} واسعًا طيبًا {فهو ينفق منه} دائمًا، وهو معنى {سرًا وجهرًا} وهذا مثل الإله وله المثل الأعلى؛ ثم بكتهم إنكارًا عليهم بقوله تعالى: {هل يستوون} أي هذان الفريقان الممثل بهما، لأن المراد الجنس، فإذا كان لا يسوغ في عقل أن يسوي بين مخلوقين: أحدهما حر مقتدر والآخر مملوك عاجز، فكيف يسوي بين حجر موات أو غيره وبين الله الذي له القدرة التامة على كل شيء؟
ولما كان الجواب قطعًا: لا، وعلم أن الفاضل ما كان مثالًا له سبحانه، على أن من سوى بينهما أو فعل ما يؤول إلى التسوية أجهل الجهلة.
فثبت مضمون {إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون} وأن غيره تعالى لا يساوي شيئًا، فثبت بلا ريب أنه المختص بالمثل الأعلى، فعبر عن ذلك بقوله تعالى: {الحمد لله} أي له الإحاطة بالعلم وجميع صفات الكمال التي منها اختصاصه بالشكر، لكونه هو المنعم وليس لغيره إحاطة بشيء من ذلك ولا غيره، فكأنهم قالوا: نحن نعلم ذلك، فقيل: {بل أكثرهم} أي في الظاهر والباطن- بما أشار إليه الإضمار {لا يعلمون} لكونهم يسوون به غيره، ومن نفى عنه العلم- الذي هو أعلى صفات الكمال- كان في عداد الأنعام، فهم لذلك يشبهون به ما ذكر، ويضربون الأمثال الباطلة، ويضيفون نعمه إلى ما لا يعد، ولعله أتى بضمير الغيبة لقصر ذلك على من ختم بموته على الضلال، أو يقال وهو أرشق: لما كان الجواب قطعًا: لا يستووت والفاضل مثالك، فقد علم كل ذي لب أن لك المثل الأعلى، فترجم عن وصفه بقوله: {الحمد لله} أي الإحاطة بصفات الكمال للملك الأعظم، وعن نسبتهم إلى علم ذلك بقوله تعالى: {بل أكثرهم لا يعلمون} أي ليس لهم علم بشيء أصلًا، لأنهم يعملون في هذا بالجهل، فنسبتهم إلى الغباوة أحسن في حقهم من نسسبتهم إلى الضلال على علم، وسيأتي في سورة لقمان إن شاء الله تعالى ما يكون نافعًا في هذا المقام، وإنما فسرت الحمد بما تقدم لأنه قد مضى في سورة الفاتحة أن مادة حمد تدور على بلوغ الغاية، ويلزم منه الاتساع والإحاطة والاستدارة، فيلزمها مطأطأة الرأس وقد يلزم الغاية الرضى فيلزمه الشكر، وبيانه أن الحمد بمعنى الرضا والشكر لأنهما يكونان غالبًا من غاية الإحسان، ويرجع إلى ذلك الحمد بمعنى الجزاء وقضاء الحق، وحماداك- بالضم، أي غايتك، ويوم محتمد: شديد الحر، وحمد النار- محركة: صوت التهابها، وأما يتحمد عليّ- بمعنى يمتن- فأصله: يذكر ما يلزم منه حمده، ومنه المدح: وهو حسن الثناء، وتمدح بمعنى تكلف أن يمدح وافتخر وتشبع بما ليس عنده، فإنه في كل ذلك بذل جهده، ودحمه- كمنع: دفعه شديدًا، والمرأة: نكحها- لما في ذلك من بلوغ الغاية في الشهوة وما يلزمها من الدفع ونحوه، والدحم- بالكسر: الأصل- لأنه غاية الشيء الذي ينتهي إليه، وحدم النار- ويحرك: شدة احتراقها وحميها، واحتدم الدم: اشتدت حمرته حتى يسود، والحدمة- محركة: النار- لأنها غاية الحر، والحدمة أيضًا: صوتها- لدلالته على قوة التهابها، ومن ذلك الحدمة أيضًا لصوت جوف الحية، أو صوت في الجوف كأنه تغيظ- لأنه يدل على غاية التهاب الباطن، والحدمة- كفرحة: السريعة الغلي من القدور؛ ومن الاتساع: تمدحت الأرض أي اتسعت؛ ومن الاستدارة: الداحوم لحبالة الثعلب- لأنها بلغت الغاية من مراد الصائد، ولأنه لما لم يقدر على الخلاص منها كانت كأنها قد أحاطت به، والدمحمح: المستدير الململم، ودمح تدميحًا: طأطأ رأسه- لأن الانعطاف مبدأ الاستدارة- والله سبحانه وتعالى الموفق.
ولما انقضى هذا المثل كافيًا في المراد، ملزمًا لهم لاعترافهم بأن الأصنام عبيد الله في قولهم لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك، وكان ربما كابر مكابر فقال: إنهم ليسوا ملكًا له، أتبعه مثلًا آخر لا تمكن المكابرة فيه، فقال تعالى: {وضرب الله} أي الذي له الإحاطة الكاملة أيضًا {مثلًا} ثم أبدل منه {رجلين} ثم استأنف البيان لما أجمل فقال تعالى: {أحدهما أبكم} أي ولد أخرس؛ ثم ترجم بكمته التي أريد بها أنه لا يَفهم ولا يُفهِم بقوله: {لا يقدر على شيء} أي أصلًا {وهو كل} أي ثقل وعيال، والأصل فيه الغلظ الذي يمنع من النفوذ، كلت السكين كلولًا- إذا غلظت شفرتها فلم تقطع، وكل لسانه- إذا لم ينبعث في القول، لغلظه وذهاب حده- قاله الرماني {على مولاه} الذي يلي أمره؛ ثم بين ذلك بقوله تعالى: {أينما يوجهه} أي يرسله ويصرفه ذلك المولى {لا يأت بخير} وهذا مثل شركائهم الذين هم عيال ووبال على عبدتهم.
ولما انكشف ضلالهم في تسويتهم الأنداد- الذين لا قدرة لهم على شيء ما- بالله الذي له الإحاطة بكل شيء قدرة وعلمًا، حسن كل الحسن توبيخهم والإنكار عليهم بقوله تعالى: {هل يستوي هو} أي هذا المذكور {ومن} أي ورجل آخر على ضد صفته، فهو عالم فطن قوي خبير مبارك الأمر ميمون النقيبة {يأمر} بما له من العلم والقدرة {بالعدل} أي ببذل النصيحة لغيره {وهو} في نفسه ظاهرًا وباطنًا {على صراط} أي طريق واضح واسع {مستقيم} أي عامل بما يأمر به، وهذا مثال للمعبود بالحق الذي يكفي عابده جميع المؤن، وهو دال على كمال علمه وتمام قدرته. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا}.
اعلم أنه تعالى أكد إبطال مذهب عبدة الأصنام بهذا المثال وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
في تفسير هذ المثل قولان:
القول الأول: أن المراد أنا لو فرضنا عبدًا مملوكًا لا يقدر على شيء، وفرضنا حرًا كريمًا غنيًا كثير الإنفاق سرًا وجهرًا، فصريح العقل يشهد بأنه لا تجوز التسوية بينهما في التعظيم والإجلال فلما لم تجز التسوية بينهما مع استوائهما في الخلقة والصورة والبشرية، فكيف يجوز للعاقل أن يسوي بين الله القادر على الرزق والإفضال، وبين الأصنام التي لا تملك ولا تقدر ألبتة.
والقول الثاني: أن المراد بالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء هو الكافر، فإنه من حيث إنه بقي محرومًا عن عبودية الله تعالى وعن طاعته صار كالعبد الذليل الفقير العاجز، والمراد بقوله: {وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا} هو المؤمن فإنه مشتغل بالتعظيم لأمر الله تعالى، والشفقة على خلق الله فبين تعالى أنهما لا يستويان في المرتبة والشرف والقرب من رضوان الله تعالى.
واعلم أن القول الأول أقرب، لأن ما قبل هذه الآية وما بعدها إنما ورد في إثبات التوحيد، وفي الرد على القائلين بالشرك فحمل هذه الآية على هذا المعنى أولى.
المسألة الثانية:
اختلفوا في المراد بقوله: {عبدًا مملوكًا لا يقدر على شيء} فقيل: المراد به الصنم لأنه عبد بدليل قوله: {إن كل من في السموات والأرض إلا آت الرحمن عبدًا} [مريم: 93]، وأما أنه مملوك ولا يقدر على شيء فظاهر، والمراد بقوله: {ومن رزقناه منا رزقًا حسنًا فهو ينفق منه سرًا وجهرًا} عابد الصنم لأن الله تعالى رزقه المال وهو ينفق من ذلك المال على نفسه وعلى أتباعه سرًا وجهرًا.
إذا ثبت هذا فنقول: هما لا يستويان في بديهة العقل، بل صريح العقل يشهد بأن ذلك القادر أكمل حالًا وأفضل مرتبة من ذلك العاجز، فهنا صريح العقل يشهد بأن عابد الصنم أفضل من ذلك الصنم فكيف يجوز الحكم بكونه مساويًا لرب العالمين في العبودية.
والقول الثاني: أن المراد بقوله: {عبدًا مملوكًا} عبد معين، وقيل: هو عبد لعثمان بن عفان، وحملوا قوله: {ومن رزقناه منا رزقًا حسنًا} على عثمان خاصة.
والقول الثالث: أنه عام في كل عبد بهذه الصفة وفي كل حر بهذه الصفة، وهذا القول هو الأظهر، لأنه هو الموافق لما أراده الله تعالى في هذه الآية، والله أعلم.
المسألة الثالثة:
احتج الفقهاء بهذه الآية على أن العبد لا يملك شيئًا.
فإن قالوا: ظاهر الآية يدل على أن عبدًا من العبيد لا يقدر على شيء، فلم قلتم: إن كل عبد كذلك؟ فنقول: الذي يدل عليه وجهان: الأول: أنه ثبت في أصول الفقه أن الحكم المذكور عقيب الوصف المناسب يدل على كون ذلك الوصف علة لذلك الحكم، وكونه عبدًا وصف مشعر بالذل والمقهورية.
وقوله: {لا يقدر على شيء} حكم مذكور عقيبه فهذا يقتضي أن العلة لعدم القدرة على شيء هو كونه عبدًا، وبهذا الطريق يثبت العموم.
الثاني: أنه تعالى قال بعده: {ومن رزقناه منا رزقًا حسنًا} فميز هذا القسم الثاني عن القسم الأول وهو العبد بهذه الصفة وهو أنه يرزقه رزقًا، فوجب أن لا يحصل هذا الوصف للعبد حتى يحصل الامتياز بين القسم الثاني وبين القسم الأول، ولو ملك العبد لكان الله قد آتاه رزقًا حسنًا، لأن الملك الحلال رزق حسن سواء كان قليلًا أو كثيرًا.
فثبت بهذين الوجهين أن ظاهر الآية يقتضي أن العبد لا يقدر على شيء ولا يملك شيئًا.
ثم اختلفوا فروي عن ابن عباس وغيره التشدد في ذلك حتى قال: لا يملك الطلاق أيضًا.
وأكثر الفقهاء قالوا يملك الطلاق إنما لا يملك المال ولا ما له تعلق بالمال.
واختلفوا في أن المالك إذا ملكه شيئًا فهل يملكه أم لا؟ وظاهر الآية ينفيه، بقي في الآية سؤالات:
السؤال الأول: لم قال: {مملوكًا لا يقدر على شيء} وكل عبد فهو مملوك وغير قادر على التصرف؟
قلنا: أما ذكر المملوك فليحصل الامتياز بينه وبين الحر لأن الحر قد يقال: إنه عبد الله، وأما قوله: {لا يقدر على شيء} قد يحصل الامتياز بينه وبين المكاتب وبين العبد المأذون، لأنهما لا يقدران على التصرف.
السؤال الثاني: {من} في قوله: {ومن رزقناه} ما هي؟
قلنا: الظاهر إنها موصوفة كأنه قيل: وحرًا ورزقناه ليطابق عبدًا، ولا يمتنع أن تكون موصولة.
السؤال الثالث: لم قال: {يستوون} على الجمع؟
قلنا: معناه هل يستوي الأحرار والعبيد.
ثم قال: {الحمد لله} وفيه وجوه: الأول: قال ابن عباس: الحمد لله على ما فعل بأوليائه وأنعم عليهم بالتوحيد.
والثاني: المعنى أن كل الحمد لله، وليس شيء من الحمد للأصنام، لأنها لا نعمة لها على أحد.
وقوله: {بل أكثرهم لا يعلمون} يعني أنهم لا يعلمون أن كل الحمد لله وليس شيء منه للأصنام.
الثالث: قال القاضي في التفسير: قال الرسول عليه الصلاة والسلام: {قل الحمد لله} ويحتمل أن يكون خطابًا لمن رزقه الله رزقًا حسنًا أن يقول: الحمد لله على أن ميزه في هذه القدرة عن ذلك العبد الضعيف.
الرابع: يحتمل أن يكون المراد أنه تعالى لما ذكر هذا المثل، وكان هذا مثلًا مطابقًا للغرض كاشفًا عن المقصود قال بعده: {الحمد لله} يعني الحمد لله على قوة هذه الحجة وظهور هذه البينة.
ثم قال: {بل أكثرهم لا يعلمون} يعني أنها مع غاية ظهورها ونهاية وضوحها لا يعلمها ولا يفهمها هؤلاء الضلال.
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ}.
اعلم أنه تعالى أبطل قول عبدة الأوثان والأصنام بهذا المثل الثاني، وتقريره: أنه كما تقرر في أوائل العقول أن الأبكم العاجز لا يكون مساويًا في الفضل والشرف للناطق القادر الكامل مع استوائهما في البشرية، فلان يحكم بأن الجماد لا يكون مساويًا لرب العالمين في المعبودية كان أولى، ثم نقول: في الآية مسألتان:
المسألة الأولى:
أنه تعالى وصف الرجل الأول بصفات:
الصفة الأولى: الأبكم وفي تفسيره أقوال نقلها الواحدي.
الأول: قال أبو زيد رجل أبكم، وهو العيي المقحم، وقد بكم بكمًا وبكامة، وقال أيضًا: الأبكم الأقطع اللسان وهو الذي لا يحسن الكلام.
الثاني: روى ثعلب عن ابن الأعرابي: الأبكم الذي لا يعقل.
الثالث: قال الزجاح: الأبكم المطبق الذي لا يسمع ولا يبصر.
الصفة الثانية: قوله: {لا يقدر على شيء} وهو إشارة إلى العجز التام والنقصان الكامل.
والصفة الثالثة: قوله: {كل على مولاه} أي هذا الأبكم العاجز كل على مولاه.
قال أهل المعاني: أصله من الغلظ الذي هو نقيض الحدة.
يقال: كل السكين إذا غلظت شفرته فلم يقطع، وكل لسانه إذا غلظ فلم يقدر على الكلام، وكل فلان عن الأمر إذا ثقل عليه فلم ينبعث فيه.
فقوله: {كل على مولاه} أي غليظ وثقيل على مولاه.
الصفة الرابعة: قوله: {أينما يوجهه لا يأت بخير} أي أينما يرسله، ومعنى التوجيه أن ترسل صاحبك في وجه معين من الطريق.
يقال: وجهته إلى موضع كذا فتوجه إليه.
وقوله: {لا يأت بخير} معناه لأنه عاجز لا يحسن ولا يفهم.
ثم قال تعالى: {هل يستوي هو} أي هذا الموصوف بهذه الصفات الأربع: {ومن يأمر بالعدل} واعلم أن الآمر بالعدل يجب أن يكون موصوفًا بالنطق وإلا لم يكن آمرًا ويجب أن يكون قادرًا، لأن الأمر مشعر بعلو المرتبة وذلك لا يحصل إلا مع كونه قادرًا، ويجب أن يكون عالمًا حتى يمكنه التمييز بين العدل وبين الجور.
فثبت أن وصفه بأنه يأمر بالعدل يتضمن وصفه بكونه قادرًا عالمًا، وكونه آمرًا يناقض كون الأول أبكم، وكونه قادرًا يناقض وصف الأول بأنه لا يقدر على شيء وبأنه كل على مولاه، وكونه عالمًا يناقض وصف الأول بأنه لا يأت بخير.
ثم قال تعالى: {وهو على صراط مستقيم} معناه كونه عادلًا مبرأ عن الجور والعبث.
إذا ثبت هذا فنقول: ظاهر في بديهة العقل أن الأول والثاني لا يستويان، فكذا هاهنا والله أعلم.
المسألة الثانية:
في المراد بهذا المثل أقوال كما في المثل المتقدم.
فالقول الأول: قال مجاهد: كل هذا مثل إله الخلق وما يدعى من دونه من الباطل.
وأما الأبكم فمثل الصنم، لأنه لا ينطق ألبتة وكذلك لا يقدر على شيء، وأيضًا كل على عابديه لأنه لا ينفق عليهم وهم ينفقون عليه، وأيضًا إلى أي مهم توجه الصنم لم يأت بخير، وأما الذي يأمر بالعدل فهو الله سبحانه وتعالى.
والقول الثاني: أن المراد من هذا الأبكم: هو عبد لعثمان بن عفان كان ذلك العبد يكره الإسلام، وما كان فيه خير، ومولاه وهو عثمان بن عفان كان يأمر بالعدل؛ وكان على الدين القويم والصراط المستقيم.
والقول الثالث: أن المقصود منه: كل عبد موصوف بهذه الصفات المذمومة وكل حر موصوف بتلك الصفات الحميدة، وهذا القول أولى من القول الأول، لأن وصفه تعالى إياهما بكونهما رجلين يمنع من حمل ذلك على الوثن، وكذلك بالبكم وبالكل وبالتوجه في جهات المنافع وكذلك وصف الآخر بأنه على صراط مستقيم يمنع من حمله على الله تعالى، وأيضًا فالمقصود تشبيه صورة بصورة في أمر من الأمور، وذلك التشبيه لا يتم إلا عند كون إحدى الصورتين مغايرة للأخرى.
وأما القول الثاني: فضعيف أيضًا، لأن المقصود إبانة التفرقة بين رجلين موصوفين بالصفات المذكورة، وذلك غير مختص بشخص معين، بل أيما حصل التفاوت في الصفات المذكورة حصل المقصود، والله أعلم. اهـ.